فصل: شعر فروة بن مسيك في يوم الردم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 قدوم زيد الخيل في وفد طيئ

 إسلامه

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيئ ، فيهم زيد الخيل ، وهو سيدهم ، فلما انتهوا إليه كلموه وعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، فأسلموا ، فحسن إسلامهم ؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني من لا أتهم من رجال طيئ ‏:‏

ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني ، إلا رأيته دون ما يقال فيه ، إلا زيد الخيل ، فإنه لم يبلغ كل ما كان فيه ‏.‏ ثم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ زيد الخير ، وقطع له فيدا وأرضين معه ؛ وكتب له بذلك ‏.‏

 موت زيد الخير

فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى قومه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إن ينج زيد من حمى المدينة فإنه قال ‏:‏ قد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم غير الحمى ، وغير أم ملدم ، فلم يثبته ، فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه ، يقال له فردة أصابته الحمى بها فمات ، ولما أحس زيد بالموت قال ‏:‏

أمرتحل قوم المشارق غدوة * وأترك في بيت بفردة منجد

ألا رب يوم لو مرضت لعادني * عوائد من لم يبر منهن يجهد

فلما مات عمدت امرأته إلى ما كان معه من كتبه ، التي قطع له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحرقتها بالنار ‏.‏

 قدوم عدي بن حاتم

 هربه أولا إلى الشام فرارا من الإسلام

وأما عدي بن حاتم فكان يقول ، فيما بلغني ‏:‏ ما من رجل من العرب كان اشد كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني ، أما أنا فكنت امرأ شريفاً ، وكنت نصرانياً ، وكنت أسير في قومي بالمرباع ، فكنت في نفسي على دين ، وكنت ملكاً في قومي ، لما كان يصنع بي ‏.‏

فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته ، فقلت لغلام كان لي عربي ، راعيا لإبلي ‏:‏ لا أبا لك أعدد لي من إبلي أجمالا ذللاً سماناً ‏.‏ فاحتبسها قريباً مني ، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطىء هذه البلاد فآذني ؛ ففعل ؛ ثم إنه أتاني ذات غداة ، فقال ‏:‏ يا عدي ما كنت صانعاً إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن ، فإني قد رأيت رايات ، فسألت عنها ، فقالوا ‏:‏ هذه جيوش محمد ، قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ فقرب إلي أجمالي ، فقربها فاحتملت بأهلي وولدي ، ثم قلت ‏:‏ ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام ، فسلكت الجوشية ، ويقال ‏:‏ الحوشية ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر ، فلما قدمت الشام أقمت بها ‏.‏

 أسر الرسول ابنة حاتم

وتخالفني خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتصيب ابنة حاتم ، فيمن أصابت ، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ ، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام ، قال ‏:‏ فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد ، كانت السبايا يحبسن فيها ، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه ، وكانت امرأة جزلة ، فقالت ‏:‏ يا رسول الله ، هلك الولد ، وغاب الوافد ، فامنن علي من الله عليك ‏.‏ قال ‏:‏ من وافدك ‏؟‏ قالت ‏:‏ عدي بن حاتم ‏.‏ قال ‏:‏ الفار من الله ورسوله ‏؟‏

قالت ‏:‏ ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني ، حتى إذا كان من الغد مر بي ، فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال بالأمس ‏.‏

قالت ‏:‏ حتى إذا كان بعد الغد مر بي ، وقد يئست منه ، فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه ، قالت ‏:‏ فقمت إليه ، فقلت ‏:‏

يا رسول الله ، هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن علي من الله عليك ‏.‏ فقال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة ، حتى يبلغك إلى بلادك ، ثم آذنيني ‏.‏

فسألت عن الرجل الذي أشار إلى أن أكلمه ، فقيل ‏:‏ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ‏.‏

وأقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة ، قالت ‏:‏ وإنما أريد أن آتي أخي بالشام ‏.‏ فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ‏:‏ يا رسول الله ، قد قدم رهط من قومي ، لي فيهم ثقة وبلاغ ‏.‏ قالت ‏:‏ فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحملني ، وأعطاني نفقة ، فخرجت معهم حتى قدمت الشام ‏.‏

 نصيحة ابنة حاتم أخاها بالإسلام

قال عدي ‏:‏ فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلي تَؤُمُّنا ، قال ‏:‏ فقلت ابنة حاتم ‏.‏ قال ‏:‏ فإذا هي هي ، فلما وقفت علي انسحلت تقول ‏:‏ القاطع الظالم ، احتملت بأهلك وولدك ، وتركت بقية والدك عورتك ‏!‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ أي أخيه لا تقولي إلا خيرا ، فوالله ما لي من عذر لقد صنعت ما ذكرت ‏.‏ قال ‏:‏ ثم نزلت فأقامت عندي ، فقلت لها ‏:‏ وكان امرأة حازمة ، ماذا ترين في أمر هذا الرجل ‏؟‏ قالت ‏:‏ أرى والله أن تلحق به سريعاً ، فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله ، وإن يكن ملكاً فلن تذل في عز اليمن ، وأنت أنت ‏.‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ والله إن هذا الرأي ‏.‏

 إسلام عدي بعد قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخلت عليه وهو في مسجده ، فسلمت عليه ، فقال ‏:‏ من الرجل ‏؟‏ فقلت ‏:‏ عدي بن حاتم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق بي إلى بيته ، فوالله إنه لعامد بي إليه ، إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة ، فاستوقفته ، فوقف لها طويلاً تكلمه في حاجتها ‏.‏

قال ‏:‏ قلت في نفسي ‏:‏ والله ما هذا بملك ‏!‏

قال ‏:‏ ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا دخل في بيته ، تناول وسادة في أدم محشوة ليفا ، فقذفها إلي ، فقال ‏:‏ اجلس على هذه ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ بل أنت فاجلس عليها ، فقال ‏:‏ بل أنت ، فجلست عليها ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض ‏.‏

قال ‏:‏ قلت في نفسي ‏:‏ والله ما هذا بأمر ملك ‏.‏

ثم قال ‏:‏ إيه يا عدي بن حاتم ، ألم تك ركوسيا ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ بلى ، قال ‏:‏ أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ بلى ، قال ‏:‏ فإن ذلك يكن يحل لك في دينك ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ أجل والله ‏.‏

وقال ‏:‏ وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل ‏.‏

ثم قال ‏:‏ لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم ، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ،

ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم ، وقلة

عددهم ، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت ، لا تخاف ‏.‏

ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم ، وأيم الله ، ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم ، قال ‏:‏ فأسلمت ‏.‏

وكان عدي يقول ‏:‏ قد مضت اثنتان وبقيت الثالثة ، والله لتكونن ، قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت ، وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها ، لا تخاف حتى تحج هذا البيت ، وأيم الله لتكون الثالثة ، ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه ‏.‏

 قدوم فروة بن مسيك المرادي

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقدم فروة بن مسيك المرادي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقاً لملوك كندة ، ومباعداً لهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

 يوم الردم بين همدان ومراد

وقد كان قبيل الإسلام بين مراد وهمدان وقعة ، أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا ، حتى أثخنوهم في يوم كان يقال له ‏:‏ يوم الردم ، فكان الذي قاد همدان إلى مراد الأجدع بن مالك في ذلك اليوم ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏الذي قاد همدان في ذلك اليوم مالك بن حريم الهمداني ‏.‏

 شعر فروة بن مسيك في يوم الردم

قال ابن إسحاق ‏:‏ وفي ذلك اليوم يقول فروة بن مسيك ‏:‏

مررنا على لفاة وهن خوص * ينازعن الأعنة ينتحينا

فإن نغلب فغلابون قدما * وإن نغلب فغير مغلبينا

وما إن طبنا جبن ولكن * منايانا وطعمة آخرينا

كذاك الدهر دولته سجال * تكر صروفه حينا فحينا

فبينا ما نسر به ونرضى * ولو لبست غضارته سنينا

إذ انقلبت به كرات دهر * فألفيت الألى غبطوا طحينا

فمن يغبط بريب الدهر منهم * يجد ريب الزمان له خؤونا

فلو خلد الملوك إذن خلدنا * ولو بقي الكرام إذن بقينا

فأفنى ذلكم سروات قومي * كما أفنى القرون الأولينا

قال ابن هشام ‏:‏أول بيت منها ، وقوله ‏:‏ ‏(‏ فإن نغلب ‏)‏ عن غير ابن إسحاق ‏.‏

قدوم فروة على الرسول صلى الله عليه وسلم وماقاله من الشعر ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما توجه فروة بن مسيك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقاً لملوك كندة قال ‏:‏

لما رأيت ملوك كندة أعرضت * كالرجل خان الرجل عرق نسائها

قربت راحلتي أؤم محمدا * أرجو فواضلها وحسن ثرائها

قال ابن هشام ‏:‏أنشدني أبو عبيدة ‏:‏ ‏(‏ أرجو فواضله وحسن ثنائها ‏)‏ ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - ‏:‏ يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم ‏؟‏ قال ‏:‏ يا رسول الله ، من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم لا يسوءه ذلك ‏!‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيراً ‏.‏

واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مراد وزيد ومذحج كلها ‏.‏ وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة ، فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

 قدوم عمرو بن معديكرب في أناس من بني زبيد

 إسلام عمرو ‏:‏

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن معديكرب في أناس من بني زبيد ، فأسلم ، وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادي ، حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يا قيس ، إنك سيد قومك ، وقد ذكر لنا أن رجلاً من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز ، يقول إنه نبي ، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه ، فإن كان نبياً كما يقول ، فإنه لن يخفي عليك ، وإذا لقيناه اتبعناه ، وإن كان غير ذلك علمنا علمه ، فأبي عليه قيس ذلك ، وسفه رأيه ، فركب عمرو بن معديكرب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم ، وصدقه ، وآمن به ‏.‏

 ما قاله عمرو فيما أوعده به قيس بن مكشوح

فلما بلغ ذلك قيس بن مكشوح ، أوعد عمراً ، وتحطم عليه ، وقال ‏:‏ خالفني وترك رأيي ؛ فقال عمرو بن معديكرب في ذلك ‏:‏

أمرتك يوم ذي صنعاء * أمرا باديا رشده

أمرتك باتقاء الله * والمعروف تتعده

خرجت من المنى مثل * الحمير غره وتده

تمناني على فرس * عليه جالسا أسده

علي مفاضة كالنهي * أخلص ماءه جدده

ترد الرمح منثني السنان * عوائرا قصده

فلوا لاقيتني للقيت * ليثا فوقه لبدة

تلاقي شنبثا شثن البراثن * ناشزا كتده

يسامي القرن إن قرن * تيممه فيعتضده

فيأخذه فيرفعه * فيخفضه فيقتصده

فيدمغه فيحطمه * فيخضمه فيزدرده

ظلوم الشرك فيما أحرزت * أنيابه ويده

قال ابن هشام ‏:‏أنشدني أبو عبيدة ‏:‏

أمرتك يوم ذي صنعاء * أمرا بينا رشده

أمرتك باتقاء الله * تأتيه وتتعده

فكنت كذي الحمير غرره * مما به وتده

 ارتداد عمرو بعد موت الرسول

قال ابن إسحاق ‏:‏ فأقام عمرو بن معديكرب في قومه من بني زبيد ‏.‏ وعليهم فروة بن مسيك ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو بن معديكرب ، وقال حين ارتد ‏:‏

وجدنا ملك فروة شر ملك * حمارا ساف منخره بثفر

وكنت إذا رأيت أبا عمير * ترى الحولاء من خبث وغدر

قال ابن هشام ‏:‏قوله ‏:‏ ‏(‏ بشفر ‏)‏ عن أبي عبيدة ‏.‏

 قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة

 إسلامه ومن معه

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعث بن قيس ، في وفد كندة فحدثني الزهري بن شهاب أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانين راكباً من كندة ، فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده ، وقد رجلوا جممهم وتكحلوا ، وعليهم جبب الحبرة ، وقد كففوها بالحرير ، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ألم تسلموا ‏؟‏ قالوا ‏:‏ بلى ، قال ‏:‏ فما بال هذا الحرير في أعناقكم ‏؟‏ قال ‏:‏ فشقوه منها ، فألقوه ‏.‏

 انتسابهم إلى آكل المرار

ثم قال الأشعث بن قيس ‏:‏ يا رسول الله ، نحن بنو آكل المرار ، وأنت ابن آكل المرار ، قال ‏:‏ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ‏:‏ ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبدالمطلب ، وربيعة بن الحارث ‏.‏

وكان العباس وربيعة رجلين تاجرين ، وكانا إذا شاعا في بعض العرب ، فسئلا ممن هما ‏.‏ قالا نحن بنو آكل المرار ، يتعززان بذلك ، وذلك أن كندة كانوا ملوكاً ، ثم قال لهم ‏:‏ لا بل نحن بنو النضر بن كنانة ، لا نقفوا أمنا ، ولا ننتفي من أبينا ، فقال الأشعث بن قيس ‏:‏

هل فرغتم يا معشر كندة ‏؟‏ والله لا اسمع رجلا يقولها إلا ضربته ثمانين ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ الأشعث بن قيس من ولد آكل المرار من قبل النساء ، وآكل المرار ‏:‏ الحارث بن عمرو بن حجر بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندى ؛ ويقال ‏:‏ كندة ، وإنما سمي آكل المرار ، لأن عمرو بن الهبولة الغساني أغار عليهم ، وكان الحارث غائبا ، فغنم وسبى ، وكان فيمن سبى أم أناس بنت عوف بن محلم الشيباني ، امرأة الحارث بن عمرو ، فقالت لعمرو في مسيره ‏:‏ لكأني برجل أدلم أسود ، كأن مشافره مشافر بعير آكل مرار قد أخذ برقبتك ، تعني الحارث ، فسمى آكل المرار ‏.‏ والمرار ‏:‏ شجر ‏.‏

ثم تبعه الحارث في بني بكر بن وائل ، فلحقه فقتله ، واستنقذ امرأته ، وما كان أصاب ، فقال الحارث بن حلزة اليشكري لعمرو بن المنذر ، وهو عمرو بن هند اللخمي ‏:‏

وأقدناك رب غسان بالمنذر * كرها إذ لا تكال الدماء

لأن الحارث الأعرج الغساني قتل المنذر أباه ، وهذا البيت في قصيدة له ‏.‏

وهذا الحديث أطول مما ذكرت ، وإنما منعني من استقصائه ما ذكرت من القطع ‏.‏

ويقال ‏:‏ بل آكل المرار ‏:‏ حجر بن عمرو بن معاوية ، وهو صاحب هذا الحديث ، وإنما سمي آكل المرار ، لأنه أكل هو وأصحابه في تلك الغزوة شجرا يقال له المرار ‏.‏

 قدوم صرد بن عبدالله الأزدي مسلما

 إسلامه

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبدالله الأزدي ، فأسلم ، وحسن إسلامه ، في وفد من الأزد ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه ، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك ، من قبل اليمن ‏.‏

 قتاله أهل جرش

فخرج صرد بن عبدالله يسير بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نزل بجرش ، وهي يومئذ مدينة مغلقة ، وبها قبائل من قبائل اليمن ، وقد ضوت إليهم خثعم ، فدخلوها معهم حين سمعوا بسير المسلمين إليهم ، فحاصروهم فيها قريباً من شهر ، وامتنعوا فيها منه ثم رجع عنهم قافلاً ، حتى إذا كان إلى جبل لهم يقال له شكر ، ظن أهل جرش أنه إنما ولي عنهم منهزما ، فخرجوا في طلبه ، حتى إذا أدركوه عطف عليهم ، فقتلهم قتلاً شديداً ‏.‏

 أخبار الرسول بما حدث

وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يرتادان وينظران ، فبينا هما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية بعد صلاة العصر ، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ بأي بلاد الله شكر ‏؟‏ فقام إليه الجرشيان ، فقالا ‏:‏ يا رسول الله ، ببلادنا جبلاً يقال له كشر ، وكذلك يسميه أهل جرش ، فقال ‏:‏ إنه ليس بكشر ، ولكنه شكر ، قالا ‏:‏ فما شأنه يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ إن بدن الله لتنحر عنده الآن ‏.‏

قال ‏:‏ فجلس الرجلان إلى أبي بكر ، أو إلى عثمان ، فقال لهما ‏:‏ ويحكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينعى لكما قومكما ، فقوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاسألاه أن يدعو الله أن يرفع عن قومكما ، فقاما إليه ، فسألاه ذلك ، فقال ‏:‏ اللهم ارفع عنهم ‏.‏ فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى قومهما ، فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبدالله ، في اليوم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ، وفي الساعة التي ذكر فيها ما ذكر ‏.‏

 إسلام أهل جرش

وخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا ، وحمى لهم حول قريتهم ، على أعلام معلومة ، للفرس والراحلة وللمثيرة ، وبقرة الحرث ، فمن رعاه من الناس فمالهم سحت ، فقال في تلك الغزوة رجل من الأزد ، وكانت خثعم تصيب من الأزد في الجاهلية ، وكانوا يعدون في الشهر الحرام ‏:‏

يا غزوة ما غزونا غير خائبة * فيها البغال وفيها الخيل والحمر

حتى أتينا حمرا في مصانعها * وجمع خثعم قد شاعت لها النذر

إذا وضعت غليلا كنت أحمله * فما أبالي أدانوا بعد أم كفروا